الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{اللّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقَدِرُ وَفَرِحُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ} هذا كقوله تعالى: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَّا يَشْعُرُونَ} [المؤمنون: 55]، وتنكير {متاع} للتقليل كما في آية: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا} [النساء: من الآية 77]، وقال: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الأعلى: 16- 17].{وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ} كقولهم: {فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ} [الأنبياء: من الآية 5]، وتقدم الكلام على هذا غير مرَّة. وقوله تعالى: {قُلْ إِنَّ اللّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ} جملة جرت مجرى التعجب من قولهم، مشيرة إلى أنه من باب العناد والاقتراح لما لا تقتضيه الحكمة من الآيات المحسوسة التي لا يمهل أحد بعد مجيئها، لا من باب طلب الهداية. وإلا فلو كان بغيتهم طلب الهداية بآية لكفاهم إنزال هذا الكتاب من مثله، صلوات الله عليه، آية، فإنه آية الآيات...!. ولكنهم قوم آثروا الضلال على الهدى، زاغوا عنه فأزاغ الله قلوبهم. فطوى ما دل عليه هذه الجملة؛ إيجازًا للعلم بها.قال أبو السعود: {قُلْ إِنَّ اللّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ} إضلاله مشيئة تابعة للحكمة الداعية إليها، أي: يخلق فيه الضلال لصرفه اختياره إلى تحصيله، ويدعه منهمكًا فيه؛ لعلمه بأنه لا ينجع فيه اللطف ولا ينفعه الإرشاد، كمن كان على صفتكم في المكابرة والعناد، والغلو في الفساد. فلا سبيل له إلى الاهتداء، ولو جاءته كل آية.ثم قال: {وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ} أي: أقبل إلى الحق، وتأمل في تضاعيف ما نزل من دلائله الواضحة. وحقيقة الإنابة الدخول في نوبة الخير. وإيثار إيرادها في الصلة على إيراد المشيئة، كما في الصلة الأولى؛ للتنبيه على الداعي إلى الهداية بل إلى مشيئتها، والإشعار بما دعا إلى المشيئة الأولى المكابرة. وفيه حث للكفرة على الإقلاع عما هم عليه من العتو والعناد. وإيثار صيغة الماضي للإيماء إلى استدعاء الهداية لسابقة الإنابة، كما أن إيثار صيغة المضارع في الصلة الأولى للدلالة على استمرار المشيئة حسب استمرار مكابرتهم. انتهى.وقوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا} بدل من {من أناب} أي: آمنوا بالله ورسوله وكتابه: {وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ} أي: تسكن وتخشى عند ذكره، وترضى به مولى ونصيرًا. والعدول إلى صيغة المضارع؛ لإفادة دوام الاطمئنان واستمراره: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} أي: بذكره دون غيره تسكن القلوب أُنسًا به، واعتمادًا عليه، ورجاءً منه. وقدر بعضهم مضافًا، أي: بذكر رحمته ومغفرته، أو بذكر دلائله الدالة على وحدانيته. ورأى آخرون أن المراد: {بِذِكْرِ اللَّهِ} القرآن؛ لأنه يسمى ذكرًا، كما قال تعالى: {وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ} [الأنبياء: من الآية 50] وقال سبحانه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] لأنه آية بينة تسكن القلوب، وتثبت اليقين فيها. وهذا المعنى يناسب قوله: {لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ} [يونس: من الآية 20] أي: هؤلاء ينكرون كونه آية، والمؤمنون يعلمون أنه أعظم آية تطمئن لها قلوبهم ببرد اليقين. قال الشهاب: وهو أنسب الوجوه.{الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ} الموصول إما مبتدأ، و: {طُوبَى لَهُمْ} مبتدأ ثان وخبر في موضع الخبر الأول، وإما خبر لمحذوف، أي: هم، وإما بدل من: {أناب} وجملة: {طُوبَى لَهُمْ} دعائية أو خبرية.قال الزمخشري: {طوبى} مصدر من طاب كبشرى وزلفى. ومعنى طوبى لك أصبحت خيرًا وطيبًا، ومحلها النصب أو الرفع كقولك: طيبًا لك، وطيب لك، وسلامًا لك وسلام لك. والقراءة في قوله: {وَحُسْنُ مَآبٍ} بالرفع والنصب تدلك على محليها. واللام في: {لَهُمْ} للبيان مثلها في سقيًا لك. والواو في: {طُوبَى} منقلبة عن ياء، لضمة ما قبلها. قال ثعلب: قرئ: {طوبىً لهم} بالتنوين.قال الفاسي: ومن نوَّن: {طُوبَى} جعله مصدرًا بغير ألف، كسقيا. وزعم بعضهم أنها كلمة أعجمية، وفي لسان العرب عن قتادة، أنها كلمة عربية، تقول العرب: طوبى لك إن فعلت كذا وكذا، وأنشد:
. اهـ.
|